فارس الخوري عام 1895

كيف تجنب فارس بك الخوري الحجر الصحي!

بقلم: نيقولا جاك عباجي* 

في هذه الأيام العصيبة، والعالم بأسره يعيش كابوس الحجر الصحي خوفاً من تفشي “فيروس كورونا المستجد”، تذكرتُ قصةً كان بطلها فارس بك الخوري، رئيس وزراء سوريا الأسبق، وواحدٌ من أبرز رجالاتها ومفكريها السياسيين. وهي قصة معبرة وقعت خلال الحجر الصحي في نهايات القرن التاسع عشر بسبب تفشي وباء الكوليرا.

بدايةً، يُعد فارس بك الخوري من أوائل خريجي “الكلية السورية الإنجيلية” المعروفة اليوم باسم “الجامعة الأمريكية في بيروت – AUB”، والتي حاز منها في عام ١٨٩٧ م على شهادة االبكالوريوس في العلوم، وكانت تعادل في ذلك الحين شهادة ثقافية عامة في العلوم والآداب والفنون. أما قصة فارس بك الخوري مع الحجر الصحي وكيف هرب منه، فهي طريفة ومثيرة وكانت السبب في نجاحه بالالتحاق بالكلية الإنجيلية، أي إنها ربما قررت مساراً هاماً من مسارات حياته.

كان الهواء الأصفر (الكوليرا) قد انتشر بشكل كبير في نهايات القرن التاسع عشر في دمشق وجوارها، فأقامت السلطات العثمانية حجراً صحياً بين دمشق وبيروت، ومنعت التنقل بينهما. وكان فارس الخوري وقتها في بلدته كفيرحاصبيا التي تقع في لبنان اليوم لكنها كانت تتبع لسوريا في زمن الحكم العثماني. في تلك الليلة ودّع أهله للسفر إلى بيروت وللبدء في عامه الدراسي الأول في الكلية الإنجيلية. رحلة فارس الخوري تلك رغم قِصر مسافتها لم تكن عاديةً مطلقاً، فهو لم يتمكن من السفر إلا سِراً وسيراً على الأقدام في عتمة الليل مع صديقه وزميله في الدراسة، سعيد أبو جمرة، لتفادي الحجر والنطاق الصحي.

مشى الصديقان على الأقدام من الكفير إلى الجديدة في طريق فرعي مختلف عن الطريق العام، وتسلقا الجبال وكان يقودهما دليل يعرف الطريق، حتى خرجا من حدود قضاء حاصبيا ودخلا في حدود مرجعيون من البرية المظلمة، وفي الصباح الباكر  كانا ضمن ولاية بيروت، وبذلك اخترقا النطاق الصحي خفية. وفي اليوم التالي استأجرا بغلاً، وركبا عليه بالتناوب للوصول إلى صيدا ومنها إلى بيروت.

في نهاية هذه الرحلة، وصل فارس بك إلى مقر الكلية الإنجيلية في بيروت، وقدم أوراقه إلى السيد “ووكر”، رئيس الدائرة الاستعدادية. وبعد الفحص الطبي، أعطاه بطاقة الدخول إلى السنة الأولى في القسم الاستعدادي. هنا، انتهت رحلة الفارس في تجنب الحجر الصحي قبل أكثر من قرن وربع، لتبدأ رحلة جديدة من مراحل حياته المليئة بالدروس والعبر لكل مجتهد ومثابر…

شهادة البكالورويس في العلوم التي حصل عليها فارس الخوري عام 1897

شهادة البكالورويس في العلوم التي حصل عليها فارس الخوري عام 1897

—–

*نيقولا جاك عباجي: باحث سوري، متخصص في تاريخ سوريا الحديث، وتحديدا بتاريخ حياة فارس الخوري. , مقيم الان في نيويورك، الولايات المتحدة.وخريج فرع العلوم السياسة وحقوق الإنسان من جامعة هنتر، نيويورك.

 


الأفكار الواردة في هذا النص تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة تاريخ دمشق.

1 عدد الردود

التعليقات مغلقة